حافة الهاوية- تصعيد غزة وخطر الحرب الإقليمية الشاملة.

المؤلف: محمود سلطان08.09.2025
حافة الهاوية- تصعيد غزة وخطر الحرب الإقليمية الشاملة.

في خطابه الأخير، أكد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، على أن المقاومة لن تلتزم الصمت حيال التصعيد الإسرائيلي المتزايد في قطاع غزة. وشدد على أن أي عدوان إسرائيلي سيواجه برد مزلزل، الأمر الذي يفاقم من خطر سقوط المنطقة في أتون حرب إقليمية شاملة. في خضم هذه الأجواء المشحونة، يتضح بجلاء أن المنطقة بأسرها تقف على فوهة بركان، حيث تحذر الأطراف كافة من أن أي تقدير خاطئ أو سوء تقدير قد يؤدي إلى صراع مدمر ذي عواقب وخيمة.

ومع تصاعد وتيرة الغضب الشعبي واستمرار تبادل الهجمات النارية، تبدو المساعي الدبلوماسية قاصرة وعاجزة عن تهدئة الأوضاع المتأزمة، ما يعزز المخاوف العميقة من أن الحرب الشاملة قد تكون أقرب مما يتوقعه المرء.

لا تزال الحملة العسكرية الضارية التي تشنها إسرائيل في غزة تلقي بظلالها القاتمة على سياسات منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وتنذر بوقوع حرب أوسع نطاقًا أو بانتشار حالة من عدم الاستقرار الإقليمي على نطاق واسع، وذلك بالرغم من المحادثات "المتعثرة" لوقف إطلاق النار حتى الآن.

ويعود ذلك، في جوهره، إلى السياسات الخاطئة والمضللة التي تنتهجها الإدارة الأميركية الحالية، والتي تحمي، بأسلوبها المراوغ والملتو والمتغطرس في بعض الأحيان، تأجيج بؤرة الصراع الأساسية، ألا وهو العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة. وفي الوقت نفسه، تحاول الإدارة الأميركية مكافحة الحرائق المشتعلة في مناطق أخرى من المنطقة باستخدام القوة العسكرية الغاشمة.

فالغضب والاستياء الشعبي يتفاقمان باستمرار، وتخشى دول الجوار، مثل مصر والأردن، من التدفق القسري للاجئين الفلسطينيين إلى أراضيها. وفي المقابل، نفذت فعاليات نشطة ومنظمات فاعلة غير حكومية ضمن "محور المقاومة"، الذي يحظى بدعم سياسي ولوجستي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هجمات "إسناد" واسعة النطاق دعمًا للمقاومة الفلسطينية وقضيتها العادلة. وقد استهدفت هذه الهجمات مواقع عسكرية إسرائيلية وأميركية، بالإضافة إلى سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن بالصواريخ والطائرات المسيرة. وردت إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا بقوة على هذه الجماعات.

ومع ذلك، ظلت العمليات العسكرية المتبادلة محصورة ضمن حدود "قواعد الاشتباك" المتفق عليها، والتي تهدف إلى منع الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة لا يرغب فيها أي طرف، بمن فيهم إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهما الإقليميون، فضلًا عن "محور المقاومة" نفسه.

إلا أن الاغتيال المروع لأحد أبرز القادة العسكريين الميدانيين في حزب الله، "فؤاد شكر"، وبعده بيوم واحد اغتيال أرفع مسؤول سياسي ودبلوماسي فلسطيني، "إسماعيل هنية"، في 30 يوليو/تموز الماضي، رفع سقف التوقعات بتغير قواعد اللعبة في المنطقة نحو الأسوأ، من خلال اتساع نطاق الحرب، الأمر الذي قد يصعب معه السيطرة عليها عن طريق القنوات الدبلوماسية والضغط على هذا الطرف أو ذاك. إذ قد يجد الجميع أنفسهم متورطين بشكل أو بآخر في هذا الحريق الإقليمي الذي يتجنبه الجميع حتى الآن بكل السبل.

ولذلك، قام دبلوماسيون رفيعو المستوى من الولايات المتحدة والدول الأوروبية في الأسابيع الأخيرة بشن سلسلة مكثفة من الزيارات إلى إسرائيل ولبنان، سعيًا إلى "تقليص" مساحة الخريطة المرشحة لإضافة المزيد من "البنزين" إلى أجوائها الملتهبة. وتزامن ذلك مع استعراض قوة الردع الأميركية في المناطق المتاخمة للجغرافيا المعادية لتل أبيب، حيث نقل البنتاغون طائرات "إف-22 رابتور" ومجموعة حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" – المتمركزة حول طائرات "إف-35" القتالية – والغواصة "يو إس إس جورجيا" الصاروخية الموجهة، وما يقرب من 40 ألف جندي أميركي إلى المنطقة.

جاءت هذه المحاولات الحثيثة لـ "ترطيب" الأجواء المتوترة بالدبلوماسية، وكذلك بالردع العسكري الأميركي الاستعراضي والخشن في المنطقة، في أعقاب الغموض الذي اكتنف الأسباب التي أدت إلى "تأخير" – أو "تعليق" – حزب الله من جهة وإيران من جهة أخرى لإعلانهما الانتقام لاغتيال شكر وهنية. وتدور التساؤلات حول ما إذا كان ذلك يرجع إلى حسابات سياسية دقيقة تتعلق بتكلفة الحرب وفاتورتها المتوقعة، أم لتوظيف "الثأر" كورقة ضغط قوية على صانع القرار الإسرائيلي المتعنت من أجل الرضوخ لشروط المقاومة التي يرفضها حتى الآن بشكل قاطع.

وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية، فإن تأخير الرد أو الثأر قد وضع كلًا من حزب الله وإيران أمام اختبار حقيقي لمدى استحقاقهما لـ "فضائلهما المعلنة" ومشروعهما "القتالي" و"الإسنادي" للمقاومة الباسلة في قطاع غزة المحاصر.

وفي صبيحة هذا اليوم، الموافق 25 أغسطس/آب 2024، أحدث حزب الله تحولًا كبيرًا وجريئًا في اتجاهات الرأي العام المتشككة في قدرته على الوفاء بوعوده، حيث استهدف بوابل من الصواريخ، بلغ 320 صاروخ كاتيوشا، بالإضافة إلى عدد كبير للغاية وغير مسبوق من الطائرات المسيرة، مواقع متعددة في إسرائيل، من بينها ثكنات الجيش الإسرائيلي ومقار الاستخبارات ومنصات القبة الحديدية (الدفاع الصاروخي)، ومن بينها أيضًا "هدف عسكري نوعي" قال الحزب إنه سيتم الإعلان عنه في وقت لاحق.

عقب مفاجأة حزب الله المدوية اليوم، تزايدت المخاوف العميقة من أن يكون هجومه الواسع النطاق بمثابة مقدمة لحريق إقليمي أوسع نطاقًا، وأنه قد بلغ النقطة الحرجة التي قد تتفلت عندها القدرة على ضبط النفس، وابتلاع إسرائيل "الإهانة" أو تمريرها دون رد فعل قوي ومزلزل. ولعل سؤال "الحرب الإقليمية" بات، بعد هذا اليوم، هو الأكثر إلحاحًا على صُنَّاع القرارات السيادية الكبرى إقليميًا ودوليًا.

واللافت للنظر هنا أنه قبل أسبوع واحد فقط من عملية حزب الله الكبيرة، كتب وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامى ونظيره الفرنسي ستيفان سيجورني مقالًا مشتركًا لصحيفة "الأوبزرفر" البريطانية المرموقة، ذكرا فيه أن العالم يشهد "دوامة عنف مدمرة" يجب تجنبها بكل السبل. وأشارا إلى أن "القتال بين إسرائيل وحزب الله اللبناني قد اشتد وتصاعد"، وأن التهديدات الإيرانية بمزيد من التصعيد تعني أن مخاطر نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق آخذة في الارتفاع بشكل ملحوظ.

وحذرا من أنه "إذا حدث خطأ واحد في الحسابات، فإن الوضع قد يتصاعد إلى صراع أعمق وأكثر استعصاءً على الحل، وهذه الدورة، مع ميلها المتزايد نحو التصعيد، تجعل التقدم نحو الحل السياسي أكثر صعوبة وتعقيدًا".

غير أن هجوم حزب الله جاء في تزامن لافت مع استضافة العاصمة المصرية "القاهرة" جولة جديدة من المحادثات الهادفة إلى التهدئة. وفي تقديري الشخصي، فإن هذا التزامن "محسوب" أو "مقصود"، ويهدف إلى جعل الهجوم عند سقف "الضغط" لتليين الموقف الإسرائيلي المتصلب وكسر أنفه المتعالي، وإذعانه للتوقيع على صفقة "عادلة" ومنصفة، وليس استهلالًا لحرب أوسع نطاقًا مقصودة ومدبرة.

فإذا كان حزب الله لا يرغب في الدخول في حرب أكبر من حدود الاستنزاف اليومي، نظرًا لتجربته المريرة السابقة عام 2006، عندما اجتاحت إسرائيل المدن اللبنانية ودمرت بنيتها التحتية بشكل ممنهج ووحشي، فإن إسرائيل، من جانبها، تعلم جيدًا أن حزب الله في نسخته الحالية عام 2024 قد تغير كثيرًا عما كان عليه خلال صيف عام 2006. فهو الآن أقوى بكثير مما كان عليه خلال ذلك الصراع الدامي، وتقدر الولايات المتحدة وإسرائيل أن لدى الحزب ترسانة ضخمة من الصواريخ، تقدر بنحو 150 ألف صاروخ، قادرة على ضرب أي مكان داخل إسرائيل.

كما طور الحزب طائرات مسيرة متطورة قادرة على التهرب من الدفاعات الإسرائيلية الجوية، بالإضافة إلى ذخائر دقيقة التوجيه. ولذا، فمن المرجح أن هجوم 25 أغسطس/آب جاء في سياق إظهار التضامن مع المقاومة الفلسطينية من ناحية، ومعاقبة إسرائيل على اغتيال "شكر" من ناحية أخرى، وليس بنية شن صراع أوسع نطاقًا. وفي المقابل، جاء الرد العسكري الإسرائيلي عليه عند حدود هذا السقف تقريبًا، أي لا حرب تتجاوز قواعد الاشتباك التي يتبعها الطرفان حتى اليوم.

الأمر ذاته ينسحب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإذا كانت الأخيرة تمتلك جيشًا هائلًا، مع مخزون ضخم من الطائرات المسيرة والصواريخ القادرة على ضرب أهداف في جميع أنحاء إسرائيل، فإنها معرضة أيضًا للخطر الشديد أمام رد الفعل الجوي الأميركي أو الإسرائيلي.

وفي هذا السياق، كانت إحدى المفاجآت التي أعقبت أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، ظهور لاعب جديد على الساحة في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ويتمثل في الحوثيين في اليمن. فمنذ ذلك الحين، شن الحوثيون هجمات متكررة على السفن في مضيق باب المندب الحيوي بالصواريخ والطائرات المسيرة، ما دفع شركات الشحن الكبرى إلى تجنب المنطقة تمامًا، مما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن الإجمالية في جميع أنحاء العالم وأثر سلبًا على الاقتصاد العالمي.

وقد شكلت الولايات المتحدة قوة عمل دولية بالتعاون مع كندا وفرنسا والنرويج وإسبانيا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى استخدام سفن البحرية الأميركية لمواجهة هجمات الحوثيين، مما أضاف المزيد من الأعباء على اليمن من جهة، وعلى القوى الدولية المشاركة في تأمين المجرى الملاحي الدولي من جهة أخرى.

إذن، الكل سيخسر، ولا يوجد استعداد لدى أي طرف لتحمل فاتورة الفوضى المتوقعة، في حال تضافرت النزعات المتطرفة نحو المزيد من التصعيد والانزلاق إلى حرب واسعة النطاق ذات عواقب وخيمة.

ولهذا السبب، عمد الطرفان، حزب الله وإسرائيل، إلى إرسال رسائل بهذا المعنى ضمنيًا. فمع حلول منتصف صباح اليوم، بدا أن تبادل الهجمات قد انتهى، حيث ذكر الجانبان أنهما ركزا ضرباتهما على أهداف عسكرية وحسب. وأفادت التقارير باستشهاد ثلاثة أشخاص على الأقل في الغارات على لبنان، فيما لم ترد أنباء عن سقوط ضحايا في إسرائيل، ما عزز الآراء التي تتوقع أن ما حدث صباح الأحد لا يزال ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليها، ومن غير المرجح، في هذه المرحلة، أن يؤدي إلى حرب شاملة.

ومع ذلك، ستظل كل الطرق المؤدية إلى "حرب إقليمية" ممهدة ومعبدة ما دامت آلة الحرب الإسرائيلية العمياء تحصد أرواح الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، وتتعمد التخلص من "العِرق الفلسطيني" بحرية كاملة تحت مظلة حماية عسكرية وسياسية ودبلوماسية كاملة من سيد البيت الأبيض.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة